بمناسبة الليلة الختامية غدا لمولد سيدتنا السيدة نفيسة رضي الله عنها نذكر نبذة عن حضرتها مقام السيده نفيسة العلوم رضى الله عنها.
نسبها: هي السيدة نفيسة بنت أبي محمد الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن السبط بن الإمام علي كرم الله وجهه والسيده فاطمه الزهراء فهي من دوحة النبوة التي طابت فرعًا، وزكت أصلا وكان من عادة الحسن الأنور والد السيدة نفيسة الجلوس في البيت الحرام، وذلك لكي يعطي للناس دروس العلم، ويناقشهم في أمور الفقه، ويتدارسون علوم القرءان.
وفي يوم، وهو على هذه الحال، أقبلت جارية لتزف إليه البشرى وتقول له: أبشر يا سيدي… فقد وُلدت لك الليلة مولودة جميلة، لم نرَ أحسن منها وجهًا، ولا أضوأ منها جبينًا، يتلألأ النور من ثغرها، ويشعّ من محيّاها.
فلما سمع الحسن الأنور هذه البشرى، فرح، وخرّ ساجدًا لله، شكرًا على ما وهبه من نعمة، وحمدًا لاستجابة دعائه. ثم أقبل على الجارية فأجزل لها العطاء… ثم قال لها: مري أهل البيت فليسمّوها “نفيسة”، فسوف تكون إن شاء الله تعالى “نفيسة”.
مولدها: وُلدت السيدة نفيسة بمكة المكرمة يوم الأربعاء الحادي عشر من شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعين ومائة من الهجرة النبوية، وقد فرحت أمها بمولودتها، ومما زاد في سرور الحسن الأنور أنها قريبة الشبه بأخته السيدة نفيسة بنت زيد رضي الله عنها.
نشأتها: وقد نشأت السيدة نفيسة نشأة شريفة، فبعد أن درجت بمكة تحوطها العزة والكرامة، اصطحبها أبوها وهي في الخامسة من عمرها إلى المدينة، وأخذ يلقنها أمور دينها ودنياها، فحفظت القرءان، ولقّنها حديث النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، وسمعت سيرة الصالحين، وصفات المتقين، ولم يقتصر في تربيتها على الحفظ والرواية، والدراسة والتلقين، بل حرص أن يجمع في تربيتها بين القول والعمل.
فكان يشاركها معه في نسكه وعبادته، ويُقرئها معه أوراده، وكثيرًا ما كان يصحبها إلى المسجد النبوي لتشهد جماعة المسلمين، ولتنظر بعينها إلى مواكب الأخيار، ووفود الأبرار وهم يترددون بشوق على مسجد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم.
وقد بارك الله لها في طفولتها، فلم تبلغ الثامنة من عمرها حتى فرغت من حفظ كتاب الله تعالى، وشيئًا غير قليل من السنّة النبوية وكانت لا تفارق أباها في حلّه وترحاله، فكان لها قدوة حسنة وأسوة صالحة.
فأشرق صدرها بنور الإيمان، وخالطت نفسها حلاوة الطاعة. وكثيرًا ما كانت تدعو الله وهي صغيرة قائلة: اللهم حُلّ بين قلبي وبين كل ما يشغلني عنك وحبّب إليّ كل ما يقرّبني منك، ويسّر لي الطريق لطاعتك، واجعلني من أهل ولايتك، فإنك المرجو في الشدائد، المقصود في النوائب والملمّات.
وكانت تجتمع في بيت أبيها الحسن بصفوة العلماء وخلاصة الفقهاء، وفحول الشعراء وكبار الأدباء، فكانت تستمع إليهم وتروي عنهم، تأخذ من أقوالهم وتحفظ من حكمتهم ما يغذّي عقلها المتفتح، ويضيء نفسها الزكية. فكانت صاحبة عقل راجح، وهمّة عالية، وعزيمة صادقة، وفكرة سليمة، ونشاط متجدد.
زواجها: إسحق بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم.وتم الزواج باذن من رسول الله
رحلتها إلى مصر الكنانة
كان للسيدة نفيسة مكانة في قلوب المسلمين عامة، والمصريين خاصة. وكان أهل مصر يلتقونها في موسم الحج، ويسألونها زيارتهم في بلدهم لكثرة ما سمعوا عن فضلها وعلمها، فكانت ترحب بدعوتهم وتقول لهم: سأزور بلادكم إن شاء الله فإن الله قد أثنى على مصر وذكرها في كتابه الكريم. وقد أوصى جدي بأهلها خيرًا فقال: “إن فتحتم مصرًا فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لكم فيها صهرًا ونسبا وبالفعل تشرفت مصر بمقدم السيده نفيسه
ورحّب المصريون بأهل البيت وعلى رأسهم السيدة نفيسة وزوجها إسحق وإبناها القاسم وأم كلثوم وغيرهم من أبناء آل البيت، وتسابقوا في تكريمهم، وتنافسوا في استضافتهم.
فحظي بهذا الشرف السيد جمال بن الجصاص فأنزلهم في داره، وأقامت السيدة نفيسة في مصر حتى توفيت ودفنت بها.
من كراماتها: لما استقامت السيدة نفيسة رضي الله عنها بطاعة الله، أكرمها الله بكرامات كثيرة نذكر بعضًا منها:
قال سعيد بن الحسن: توقف النيل بمصر في زمن السيدة نفيسة فجاء الناس إليها وسألوها الدعاء، فأعطتهم قناعها، فجاءوا بها إلى النهر وطرحوه فيه، فما رجعوا حتى فاض النيل بمائه وزاد زيادة عظيمة.
وكانت رضى الله عنها مستجابة الدعاء
وكان الإمام الشافعي رضي الله عنه إذا مرض يرسل لها رسولا من عنده، كالربيع الجيزي أو الربيع المرادي، فيقرئها سلامه ويقول لها: إن ابن عمك الشافعي مريض، ويسألك الدعاء فتدعو له، فلا يرجع إليه رسوله إلا وقد عوفي من مرضه
فلمّا مرض الشافعي مرضه الأخير، أرسل لها على عادته رسوله يسألها الدعاء له، فقالت لرسوله: متّعه الله بالنظر إلى وجهه الكريم وقال زوجها إسحق المؤتمن يومًا لها: “ارحلي بنا إلى الحجاز”، فقالت: لا أفعل ذلك إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وقال لي: لا ترحلي من مصر فإن الله تبارك وتعالى متوفيك فيها.
وفاتها: أصاب السيدة نفيسة المرض في شهر رجب سنة مائتين وثمان للهجرة وظل المرض يشتدّ ويقوى حتى رمضان، فبلغ المرض أقصاه، وأقعدها عن الحركة، فأحضروا لها الطبيب فأمرها بالفطر، فقالت: واعجباه! إن لي ثلاثين سنة وأنا أسأل الله أن يتوفاني وأنا صائمة …
فألحوا عليها أن تفطر رفقًا بها، فرفضت وقالت (اصرفوا عنى طبيبى ودعونى وحبيبى…زادنى شوقى اليه وغرامى ونحيبى)فانصرف الأطباء، وقد شدّهم الإعجاب بقوة يقينها وثبات دينها، فسألوها الدعاء، فقالت لهم خيراً ودعت لهم.
وشاءت السيدة نفيسة أن تختم حياتها بتلاوة القرآن وبينما كانت تتلو سورة الأنعام، حتى إذا بلغت آية : (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون) الأنعام/ 127 غشي عليها. تقول زينب – بنت أخيها – فضممتها إلى صدري، فتشهدت شهادة الحق، وصعدت روحها إلى باريها في
السماء ولما فاضت روحها أراد زوجها أن ينقلها إلى البقيع عند جدها عليه الصلاة والسلام ولكن أهل مصر تمسكوا بها وطلبوا منه أن يدفنها عندهم فأبى ولكنه رأى في منامه الرسول يأمر بذلك فدفنها في قبرها الذي حفرته بنفسها في مصر.
و يقع مشهد السيدة نفيسة في منطقة السيدة نفيسة بالقاهرة، المسماة قديمًا بدرب السباع.عند سور مجرى العيون رضى الله عنها وال بيت رسول الله.
